Department of

More ...

About Department of

Facts about Department of

We are proud of what we offer to the world and the community

21

Publications

212

Students

0

Graduates

Publications

Some of publications in Department of

الخطاب النقدي في الفكر الإسلامي المعاصر دراسة تحليلية – محمد أركون نموذجا

ما يجب الإشارة إليه في خاتمة هذا البحث ومن البداية هو العلاقة الوطيدة بين الإسلام والعقلانية فدين الإسلام هو دين العقل وهذا ما أشرنا إليه في بحثنا وهذا ما أستنتجناه من خلال العديد من الآيات القرآنية التي تؤكد على تكريم الإنسان بهذه الملكة، وكذلك التأكيد على ضرورة استخدام هذه الهبة التي ميز بها الله الإنسان عن سائر خلقه. ولكن ما نود الإشارة إليه وما توصلنا إليه من خلال قراءاتنا لتاريخ الفكر الإسلامي لاحظنا أن هناك تياراً قوياً وجارفاً حجم العقل وحارب العقلانية من أجل ترسيخ مفاهيم لا علاقة لها بما هو مسطر في كتاب الوحي. ومن خلال الجهد الذي بدلناه من أجل الاطلاع على الفكر النقدي والخطاب النقدي في الفكر الإسلامي اتضحت لنا محطات مهمة جداً بخصوص هذا الموضوع، فقد اتضح أن الحضارة الإسلامية وخاصة في عصر الازدهار كانت حضارة الرأي والرأي الآخر كانت منفتحة على كل التيارات والاتجاهات الفكرية السائدة في ذلك الوقت إغريقية ولاتينية وفارسية، يهودية ومسيحية وحتى على الديانات التي تصنف بأنها ليست ديانات وحي وكانت المدارس الفكرية الكلامية والفلسفية في أوج ازدهارها وقوتها وهي التي كانت السند الكبير للدولة الإسلامية على جميع الأصعدة فهذه الحضارة هي التي أنجبت ابن سينا وابن رشد وغيرهم من الفلاسفة الذين كانوا جسر العبور لكل الفلسفات والأفكار التي سبقتهم ونقلوا كل هذه الفلسفات والاتجاهات إلى كل الشعوب التي تعاملت واحتكت بالحضارة الإسلامية والفكر الإسلامي، ولم يكتف فلاسفة الإسلام بالترجمة ونشر هذه الأفكار والاتجاهات بل طوروا وبلوروا العديد من الأفكار التي ستصبح ركيزة لتقدم شعوب العالم. ومثال على ذلك الرشدية اللاتينية، فالرشدية اللاتينية يؤكد العديد من المفكرين أنها الأساس الذي قامت من فوق أسسه الفلسفة الغربية الحديثة، وعندما نتحدث عن الفلسفة الغربية فنحن نتحدث على العقلانية التي استعارها الغرب من بلاد المسلمين والتي هي من أنجب كل هذه المدنية الرائعة التي ينعم بها الغرب، وكذلك أنجبت هذه الحضارة في فترة الازدهار أعظم المدارس اللاهوتية وأقصد تحديداً فرقة المعتزلة تلك الفرقة التي يعتبرها الكثير من النقاد من الفرق التي لو استمرت ولم يقض عليها لكان حال المسلمين أفضل من هذا الحال "إن أكبر قطيعة في تاريخ الإسلام (كما يؤكد أغلب النقاد هي تلك المتمثلة بالقضاء على مذهب المعتزلة) هذا المذهب الذي فهم معنى الدعوات المتكررة للعقل والعقلانية في القرآن إنه المذهب الذي دافع بقوة عن مقولة خلق القرآن، وبالتالي عن موضعة النص القرآني داخل التاريخ ونفهم من ذلك أن المعتزلة كانوا أكثر وفاء لروح القرآن من غيرهم لأنهم طبقوا التفسير العقلاني الذي أمر به القرآن ذاته وبالتالي فإن تصفية هذا المذهب العقلاني أدى إلى تجميد وتقديس ما كان ينبغي أن يظل منفتحاً ودينامكيا ولو لم يصفى مذهب المعتزلة لما سيطرت الحركات اللاعقلانية على الساحة الإسلامية بهذا الشكل وهي حركات تغلب النقل على العقل"(1)، والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا ماتت الفلسفة والتفكير العقلاني في بلاد الإسلام واستمرت بكل قوة في العالم الذي يجاورنا ؟، وأيضاً نطرح سؤالاً آخر ونبحث له عن إجابة، ما هي الآليات التي ثم بها القضاء على الفكر العقلاني؟، ولما انتهى كل ما يمت للخطاب النقدي العقلاني في العالم الإسلامي؟. كل ما هو اليوم مسكوت عنه ومن الاستحالة التفكير فيه كان مطروحاً على مائدة الجدل كل الاتجاهات الفكرية كانت تجاهر بآرائها وكذلك كل المفكرين يعلنون مواقفهم من كل القضايا المطروحة وكانت المنتديات الفكرية تكتظ بكل الفلسفات والأفكار في كل عواصم الفكر الإسلامي حين ذاك، إلا أن الفكر الدوغمائي الأرثوذوكسي استطاع في نهاية الأمر أن يحسم المعركة لصالحه ولصالح التخلف والخروج من التاريخ. في بحثنا هذا كان المفكر النقدي محمد أركون هو نموذجاً لدراستنا ومن خلال كتاباته حاولنا أن نتتبع الإجابات التي نبحث عنها، دون الدخول في متاهات الاصطلاحات والمصطلحات والتعاريف والمفاهيم التي استخدمناها في هذا البحث وكانت الوسيلة التي بها ثم استعراض مجمل الآراء والأفكار التي تتعلق بموضوع هذا البح. ندخل مباشرة إلى ما استخلصناه من قراءتنا ومن الجهد الذي بدلناه في محاولة الإلمام والإحاطة بما يريد أن يقوله صاحب مشروع نقد العقل الإسلامي وفي هذه الخاتمة سنحاول أن نبين أهم المرتكزات والأسس التي بني عليها أركون مشروعه الفكري وسنحاول أن نوجز ذلك بقدر استطاعتنا وفي نفس الوقت نريد أن لا نختزل أياً من الأفكار التي تطرقنا إليها في هذا البحث. يؤكد أركون على ضرورة قراءة التراث الإسلامي قراءة جديدة وجيدة قراءة نقدية تستخدم كل ترسانة علوم الإنسان والمجتمع الحديثة دون أن نهمش أياً من أجزاء هذا التاريخ، ونحاول أن نسلط الأضواء على الأجزاء الموءودة من هذا التراث ونعود إلى لحظة التدشين في كل القراءات وربط هذه القراءات بمفهوم التاريخية الذي أسهبنا في شرحه خلال بحثنا هذا، وأركون من خلال هذا الطرح يحاول أن يؤسس لمنهجية جديدة في دراسة وتناول التراث والفكر الإسلامي وهذه المنهجية يطلـق عليهـا الإسلاميات التطبيقيـة وهـي منهجيـة جديدة من المنهجيات التي أسسها أركون وبهذه المنهجية يحاول أن ينطلق إلى فضاءات أوسع وأشمل من الفضاءات التي كان الاستشراق بالرغم من جهوده لم يستطع الوصول لها فالإسلاميات التطبيقية هي خلاف أبيستمولوجي وليس أيديولوجي مع الاستشراق الكلاسيكي وفي نفس الوقت هي منهجية مغايرة للمنهجية الأرثوذوكسية الدوغمائية التبجيلية التي يتناول ويدرس بها المسلمين تراثهم وتاريخهم فهي منهجية تحاول دراسة المسكوت عنه والمستحيل التفكير فيه في التاريخ والتراث الإسلامي وحتى في الوقت الراهن، وهي منهجية علمية واقعية لا علاقة لها بالخيال والمخيال والأيديولوجيا منهجية تربط الوقائع والأحداث والأفكار والاتجاهات والفرق بالتاريخ والأرض والسياسة وتضع كل الأمور في نصابها وتطرح كل الأسئلة ونتناول كل ما أسلفناه سابقاً بصورة موجزة وسنبرز كل المحطات المهمة التي استطعنا الإحاطة بها في هذا البحث. الإسلاميات التطبيقية: أركون ينقد العقل الإسلامي في إطار مشروعه الفكري الذي يسميه (الإسلاميات التطبيقية) والتي يهدف منها إلى إحداث قطيعة جذرية مع الدراسات الإسلامية الكلاسيكية التي تتصف برؤية تبوثية وجامدة واستخدام المناهج التاريخية الفلولوجية التي تجاوزتها الحداثة والتطور العلمي وذلك باستخدام المنهجيات الحديثة في علوم الإنسان والمجتمع. المنهج الأركيولوجي: استخدم أركون المنهج الأركيولوجي التفكيكي أي المنهج الحفري وهو منهج استعاره من المفكر الفيلسوف ميشيل فوكو وهذا المنهج الحفري التفكيكي يوظف مجموعة من الأدوات ويستخدم العديد من المناهج ويؤكد على ضرورة التسلح بأدوات منهجية والتي تبلورت بعد الحرب الكونية الثانية في مجال علوم الإنسان والمجتمع بكل فروعها من التاريخ إلى اللسانيات والانتربولوجيا وعلم النفس بجميع مدارسه وعلم الأديان المقارن والسيمولوجيا ثم الأبستمولوجيا والفلسفة ويستند أركون على العديد من الأسماء ذات الباع الكبير في مجال العلوم الإنسانية وكذلك استخدامه لمجموعة من المفاهيم والمصطلحات وليدة المجال الحيوي للفكر الغربي ومنها: رأس المال الرمزي والمعنى والزمن الطويل أو المتطاول والتقطيع الميتي والتاريخية والخطاب السيميائي واللامفكر فيه والمسكوت عنه والأبستومي ومديونية المعنى والعديد من المصطلحات التي كان له الدور الكبير في تأسيسها. اللا مفكر فيه أو المسكوت عنه: يؤكد أركون في كل مشروعه الفكري على منهج نقدي قائم على تصور معين للتراث الإسلامي ونتاجه الفكري فمشروعه يقوم أساساً على إعادة قراءة كل الفكر والتراث الإسلامي قراءة جديدة قراءة كلية قراءة نقدية والمقصد الذي يريد أن يصل إليه أركون هو تتبع كل المساحات التي ظلت بعيدة عن مجال النقد والتفكير وكل ما يدخل تحت إطار المسكوت عنه فكل الأسئلة التي ينبغي طرحها على التراث الإسلامي تدخل في مجال اللامفكر فيه ويشير أركون إلى العديد من القضايا التي أشرنا إليها سابقاً في هذا المبحث ومنها المشكلة التي كانت مطروحة حتى أغلق عليها وهي مشكلة المعتزلة والحنابلة هل القرآن كلام الله أو مخلوق؟، ونحن نعلم أن خياراتنا بهذا الخصوص تؤدي إلى تداعيات تتناقض مع الخيار الآخر وكذلك يشير أركون إلى مشكلة الطائفية التي تعاني منها المجتمعات الإسلامية وخاصة بين فرقتي الشيعة والسنة ويؤكد أركون على ضرورة فتح هذا الملف المسكوت عنه والعودة إلى لحظة تدشين هذه الفرق لمعتقداتها ومحاولة التصالح والبداية من جديد وخاصة أن الجميع يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، ويشير أركون إلى الصراع المسيحي المسيحي بين الأرثوذكس والكاثوليك والكاثوليك والبروتستانت والذي أصبح من الماضي عندما وضع هذا الموضوع على محك النقد في الفكر المسيحي ولم يعد من المسكوت عنه أو المستحيل التفكير فيه، وقضايا كثيرة لا يسمح المجال إلى سردها أو الحديث عنها وتعتبر من المسائل التي تعيق مسيرة المجتمعات الإسلامية نحو التقدم والازدهار. ماهية التراث: ما هو مفهوم التراث عند أركون؟، يعرف أركون التراث بأنه مجموعة متراكمة ومتلاحقة ومتراتبة من العصور والحقب الزمنية وهذه القرون المتطاولة متراتبة بعضها فوق بعض كطبقات الأرض وللوصول إلى الطبقات العميقة أي لحظات التدشين الأولى لا بد من اختراق الطبقات السطحية الأولى والوسطى للوصول إلى الطبقات الأولى، لا بد لمؤرخ الفكر أن يكون أركيولوجي الفكر فالتراث بناء تراكمي تشكل عبر أجيال وحقب زمنية متلاحقة وتتكون من مزيج من الأفكار والتصورات المتداخلة لا نستطيع فيها التفريق بين ما هو أرضي وما هو سماوي وما هو إلهي وما هو بشري وبالتالي كان لا بد من القراءة التفكيكية للمكونات الداخلية المتداخلة والمتراصة لهذا التراث وهذا الفكر وكان لا بد من التعاطي مع هذا المنتج التراكمي للتراث باستخدام المنهجيات التي تتعاطى منتجاته المعرفية بشكلها المتداخل في حدود التصور والمنهج الذي ينتجه. المنهج الإجرائي: أركون حريص على الطابع المنهجي الإجرائي أكثر من حرصه على الوقوف على النتائج أركون دائماً يطرح الأسئلة ويحرك الركود المستوطن داخل العقل الإسلامي فكل كتاباته تتضمن مشاريع في البحث وتقدم رؤوس مواضيع واستفسارات وأسئلة أكثر مما يقدم إجابات عن الأسئلة التي يثيرها في خطاباته فخطاباته تهتم أساساً بتجديد آليات الفكر الإسلامي وربطه بالحداثة الفكرية وحتى بما بعد الحداثة عن طريق الاستفادة من علوم الإنسان والمجتمع. العقل الإسلامي: أركون يتحدث عن العقل الإسلامي الذي يسعى إلى نقده فيحاول البحث عن تركيبته الداخلية وكيفية نشوء هذا العقل وطرق اشتغاله في التاريخ والمجتمع من خلال دراسته التحليلية لهذا العقل من لحظة التدشين ووصل أركون إلى أن هذا العقل التقليدي تفرع إلى عقول عديدة متنافسة وكلها تدعي امتلاك الحقيقة والاستيلاء على المعنى ودخلت في صراع مع بعضها البعض ثم تحولت إلى عقول أرثوذوكسية صلبة مغلقة على ذاتها وهذا يعني ابتعاد هذا العقل على العقلانية الحديثة ومنتجاتها الفكرية انطلاقاً من انغلاق هذا العقل وتشبعه بمفاهيم وقيم موروثة من العصر القروسطي الذي يسوده اللاهوت والتصورات الميتولوجية. العقل والأسطورة في فكر أركون: دائماً أركون يحاول الإشارة إلى الصراع بين اللوغوس والميتوس، المعرفة العقلية والأسطورة لأن الهدف الرئيسي من دراسة الانتربولوجيا الدينية للتراث الإسلامي توضيح العلاقة بين المفهومين السابقين وروابطهما المتغيرة والمتحولة ويؤكد أركون على أن لا مستقبل للعقل الإسلامي إلا إذا تخلص من أرثوذوكسيته ولا يمكنه الانفتاح على العقلانية الحديثة بشكل فعلي وناجح ودائم إلا بتفكيك مفهوم الدوغمائية والأرثوذوكسية التي تحيط به وتغلق أبواب الحداثة أمامه وهذين الاتجاهين من المعرفة يتقاطعان بطريقة تنافسية يحاول كل اتجاه من هذه الاتجاهات المعرفية الإطاحة بالآخر ويرى أركون إنه لا بد من تحطيم المعرفة الأسطورية داخل بنية هذا العقل من أجل انطلاقته إلى رحاب الحداثة ومكتسبات الإنسانية. تحرير العقل الإسلامي: أركون يسعى نحو تفكيك التراث وبنائه من جديد انطلاقا من إعادة إنتاج آليات نقدية تستجيب للتطورات المعرفية التي يشهدها عصرنا هذا والهدف الأساسي هو تحرير العقل الإسلامي من الأساطير التي تشوبه، فأركون ينظر إلى مشروعه باعتباره وسيلة معرفية لفتح وتحرير هذا العقل المغلق ويؤكد على ضرورة انتصار الحداثة الفكرية والخروج من الجمود الذي يعاني منه هذا الفكر بعد أن تحول إلى قلعة مغلقة بالرغم من أن الإسلام في حقيقة الأمر يعتبر حداثة فكرية وعقلية في عصره. أديان الوحي: يسعى أركون إلى محاولة توحيد الرؤية حول الأديان التوحيدية باعتبارها في حقيقة الأمر تجسد ظاهرة الكتاب الموحى به وما ينشأ عن ذلك من تشكيل متخيل مشترك لدى المجتمعات الكتابية محوره هو الكلام المتعالي والمقدس والمعياري لله حيث اعتاد الجميع على إبراز الأديان التوحيدية بصفتها وحياً معطى نزله الله في التاريخ بحسب التنزيل الذي يؤكد عليه القرآن الذي يجد له مقابلاً له في العقيدة المسيحية إن هذا المعطى متعالي ومقدس ويهدي البشر في تاريخهم الدنيوي لكي يحصلوا في نهاية المطاف على النجاة في دار الآخرة "إن القرآن يتموضع داخل خط الديانات التوحيدية مثله مثل التوراث والإنجيل يتموضع داخل منظور الوحي المتصور بصفته تاريخاً للنجاة وهذا التاريخ متقطع إلى مراحل للوحي وكل مرحلة يمثلها نبي من الأنبياء الذين تلقوا الوحي عبر التاريخ الذي يبتدئ بحسب المنظور القرآني بالنبي إبراهيم"(1)، ويستشهد أركون بالقرآن الكريم ((مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ))(2)، ويستمر أركون في اجتهاداته المتعلقة بأديان الوحي يقول بخصوص كلمة مسلم: "المعنى التزامني للكلمة في القرآن ليس هو نفسه المعنى التيولوجي الذي تشكل وساد في العصور التالية: إنها لا تعني المسلم بالمعنى المحصور للكلمة وإنما تعني الخضوع لله وتسليم النفس له وتجسيد هذا الخضوع للحياة الدينية وتكون قدوة ومثالاً في النزاهة وبهذا المعنى تشمل كل المؤمنين وكل الأديان التوحيدية وليس مؤمنو دين وأحد"(3)، ونحن نستعرض فكر أركون بخصوص أديان الوحي ولا يمكننا التعليق على ذلك. وفي نهاية الحديث لا يمكننا القول إلا إن أركون وغيره من النقاد كان هم التخلف يحاصرهم وكانوا يحاولون بذل الجهد للوقوف على أسبابه ومكمن هذا التخلف ومنهم من أخطأ في تحليلاته ومنهم من أصاب ومنهم من مازالت أفكاره وآراؤه في محل الاختبار إلا أننا لا يمكن أن نختلف مع أركون أو غيره عندما يشير إلينا بضرورة القراءة الحديثة للتراث الإسلامي أي القراءة النقدية التاريخية والعقلانية فهي التي ستحرر كل العقول المستلبة منذ زمن طويل والعقلانية هي التي ستزيل العراقيل التي تمنع التطور في مجتمعاتنا وما نود الإشارة إليه أن العقلانية في المجتمعات الإسلامية تصطدم بالقراءة اللا تاريخية العمياء والبكماء والمتخشبة والتي تحتل الشارع وحتى الجامعات وبالتالي المعركة ضخمة جداً وهائلة ولا يمكن أن تكون إلا في بداياتها فالحداثة الفكرية أمل ما زال بعيد المنال بالرغم من أهميته التي تتمثل في تحديث التشريع والقوانين بصورة كلية فالهوة سحيقة بين المفاهيم التراثية لمجمل جوانب الحياة وبين مفاهيم الحداثة الفلسفية والفكرية التي قدمت البشرية ثمناً غالياً من أجل الوصول والحصول عليها. وأخيرا أرجو أن أكون قد لفت الانتباه إلى الفكر النقدي الإسلامي المعاصر والذي أرى أن هاجسه الإجابة عن أسئلة صعبة ومعقدة وفي بعض الأحيان هذه الأسئلة لايوجد من يجروا حتى على طرحها أو الاقتراب منها والحافز على كل ذلك هو الإجابة على السؤال الذي يستمر في محاصرة كل الفضاء الفكري الإسلامي لما نحن خارج التاريخ؟، لما نحن في سبات مستمر؟، في الوقت الذي تتحرك فيه كل الشعوب المتقدمة إلى الأمام في كل لحظة. وفي نهاية الأمر أتمنى أن أكون أضفت ولو جزءاً يسيراً للفكر النقدي الإسلامي، والسلام.
زيدان مولود المنصوري(2012)
Publisher's website

تحديد العلاقة بين الأخلاق، والقانون عند ميكافيللى، وهيجل

سيطرت فكرة الدولة على أفكار ميكافيللى وهيجل، وطغت هذه الفكرة على كل القيم الأخلاقية وجُل القواعد القانونية لديهما - إلى درجة لم تعد الأخلاق والقانون في الحسبان، عندما يكون هناك خطر يهدد كيان الدولة، خاصة وأن الطرفين استبعدا الحاكم من كل تقييم أخلاقي وقانوني، ذلك أن الدولة ووجودها وحياتها فوق كل الاعتبارات عند ميكافيللى، ولذلك جعل القوة أهم بكثير من القيم الأخلاقية والقواعد القانونية من حيث تحقيق الهدف الذي يسمو إليه. في المقابل مجد هيجل الدولة أيضا وجعلها تسمو مرتبه ومقاما وقوة على الأفراد المكونين لها، وهي طبقا للجدل الهيجلي غاية ونهاية لتطوره التاريخي ومن ثم فهي مصدر كل القيم الأخلاقية والاجتماعية والروحية. لقد حاولتُ - من خلال هذه الدراسة حسب ظني - أن أطرق بابا لم يطرقه احد من قبل – حيث أنني بحثتُ في العلاقة بين مفكرين مختلفين في الظاهر باعتبار أحدهما واقعيا، والأخر مثاليا، وذلك من أجل الوصول إلى تحديد العلاقة بين الأخلاق والقانون. من خلال هذه الدراسة وصلت إلى نتيجة وهي أني أرى أن الاثنين كانا يهدفان إلي نفس النتيجة - وهي بناء الدولة، وإن كانت الوسائل مختلفة وكذلك الفرد لا وجود له أمام مصلحة هذه الدولة . أرى ضرورة الرجوع إلى دراسة التاريخ من أجل أخد العبر والموعظة، ولا نأخذ بها كما هي عند ميكافيللى - باعتبار أن التاريخ يعيد نفسه أو كما أخد بها هيجل - بأننا لا نتعلم من التاريخ شئ - انطلاقا من إن كل الأشياء في تطور وتقدم . الابتعاد عن وسائل ميكافيللى أللأخلاقية، وعن مبدأ الغاية تبرر الوسيلة - حيث أنهُ يجب أن تكون غايات الإنسان في حياته مقيدة بما أذن الله به في شريعته لعباده، فليس كل غاية تبدو للإنسان - يجوز له أن يجعلها إحدى غاياته مالم تكن غاية ماذوناً بها شرعاً كذلك إن يكون سعي الإنسان إلى غاياته الماذون بها شرعا، وذلك ضمن الوسائل التي ليس فيها أهدار للحق أو للعدل أو للفضيلة وللواجب، وليس فيها ارتكاب المحرم من المحرمات الشرعية، وليس فيها إسراف ولا تدبير - بدل ذي قيمة .
فتحية حسن محمد المز وغى(2009)
Publisher's website

((الرذيلة وأثرها على الفرد والمجتمع)) الزنا أنموذجاً (دراسة تحليلية من منظور إسلامي)

العلم مع الإيمان سبب في طهارة النفس من الدناءات، ونجاة المرء من المهالك الدنيوية والمحن الأخروية. تتفق أحكام الشريعة الإسلامية في حد الزنا مع الأحكام الوضعية في القصد الجنائي أو أصل الفاحشة أو جنس الفكرة، دون نوعها، فتتفقان على كون الشخص يعلم بأنه واقع شخصاً محرماً عليه، وجوهر الاختلاف بينهما، أن الشريعة الإسلامية لا تفرق بين الشخص المحصن وغير المحصن كونهما ارتكبا الفعل، على اعتبار أن الفروج لها حرمة عامة وهي ليست ملكاً لأصحابها لهم حرية التصرف فيها مع من يشتهون، وجعلت حد الحرية ألا يضر الإنسان نفسه أو غيره على حدٍ سواء؛ إلا أن أحكام الشريعة الإسلامية تفرق بين حد الشخص المحصن وغير المحصن. لقوانين الوضعية لا تفرق بين المحصن وغير المحصن، ولا تعتبر المواقعة خارج إطار الزوجية زناً إلا إذا مست حرمة الزوجية فقط، وتري ألا يضر الفرد غيره فقط، واعتمدت في أحكامها على أسانيد عقلية أكثر من اعتمادها على أحكام الشرائع السماوية. إن ما جاءت به أحكام الشريعة الإسلامية لا تبطله أو تنسخه الأحكام الوضعية، لأن أحكام القوانين الوضعية، جعلت أحكام حد الزنا حقاً خاصاً للمجتمع في أغلب أحكامها، وبذا أبطلت كثيراً من أحكام الشريعة؛ وهذا الأمر يؤدي إلى انتشار الفساد في الأرض، وعدم صيانة الأنفس والحرمات في المجتمع. يجب إعادة النظر في بعض القوانين الوضعية الخاصة بأحكام حدود الزنا بما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية بما يحقق استقرار المجتمع وتوازنه. إن أصاب الإنسان ابتلاء نظير معصية اقترفها فلا يلوم إلا نفسه، ولا مخرج له من ذلك إلا الرجوع إلى الله والصبر على البلاء، حيث لا ينفعه الجزع. ترتبط الأخلاق الإسلامية ارتباطاً وثيقاً بالإيمان، لأن الإيمان مصدر الإلزام الديني ـ العقدي ـ الذي يتوافق معه الإلزام الخلقي، ويدفع الإنسان إلى طاعة أمر الله تعالى، وينهاه عن إتيان المعاصي؛ إذ لا يجتمع الإيمان والمعصية في قلب المؤمن في آن واحد، وعلى هذا الأساس ربط الله سبحانه وتعالى ارتكاب فاحشة الزنا بانتزاع الإيمان من قلب المؤمن عند اقترافها؛ لكونه مفسدة تؤدي إلى مفاسد كثيرة. ثانيا: نتائج وملاحظات خاصة نسترشد من الدراسة الميدانية بالملاحظات والتوصيات التالية: القيم الأسرية داخل المجتمع لها انعكاس على سلوك الأبناء سلباً وإيجاباً، وذلك من خلال علاقة الآباء بأبنائهم، فأغلب القيم الأولى يتعلمها الأبناء من الآباء، وممن لهم اتصال بهم بشكل مباشر بالمجتمع المحيط، لهذا لابد من الاعتدال في التعامل مع الأبناء، مع الرقابة الأبوية وبالأخص في مرحلتي الطفولة والمراهقة. وضع استراتيجية عامة في المجتمع بهدف الاهتمام بالنشء، من خلال مناهج تربوية، وبرامج ثقافية واجتماعية، على المستويين الفردي والجماعي والمجتمعي، بدءاً من الأسرة وانتهاءً بالمحيط الخارجي لها، ومنها المدرسة والمؤسسات التعليمية بشكل عام، والنادي والرفاق. . . إلخ. إضافة مادة للمقررات الدراسية، تحت مسمى" مبادئ الأخلاق" لطلاب الشق الثاني من مرحلة التعليم الأساسي، تدرس فيها أحكام وأسس العلاقات الأسرية وفق أحكام الشريعة الإسلامية، والقيم المثلي والفضائل الأخلاقية، وما يضادها من رذائل، كي يجتنب النشء السلوك الشاذ، لما يترتب عليه من أضرار نفسية وجسمية، واقتصادية واجتماعية. الإعداد الفني والمهني للمتعاملين مع مرضى الإيدز، والأمراض المعدية الأخرى في مجال العلاج والوقاية أو التعامل المهني، مثل الأطباء والعناصر الطبية المساعدة، والعاملين بالمختبرات الطبية العامة والخاصة، والمرشدين الصحيين والنفسيين والاجتماعيين، وأجهزة الأمن التي لها صلة بالتعامل معهم، ومؤسسات الإصلاح، والمؤسسات الاجتماعية والأجهزة القضائية، والمواطنين ممن لهم اتصال بالمرافق الخدمية العامة والخاصة، وحث الجميع على الأمانة والصدق والدقة في بيان المعلومات وانسيابها إلى الجهات ذات الاختصاص، مع تحميلهم المسئولية التامة في حالة الإهمال أو إفشاء المعلومات في غير وجهها، كاستخدامها لأغراض شخصية أو دعائية لا تتناسب مع طبيعة المهنة. وما لم يكن هناك فهم وقناعة بخطورة مرض الإيدز والأمراض المعدية المصاحبة له، فإن احتمالات انتقال العدوى من المصابين إلى الأصحاء أمر قائم. إبراز الأضرار الناجمة عن سوء التعامل مع بعض وسائل الإعلام، ومنها على وجه الخصوص؛ الكتب والمجلات الماجنة، وكذلك سوء استخدام، الأجهزة والوسائط التقنية الحديثة، ومنها الإذاعتين المسموعة والمرئية، والسينما، وشبكة المعلومات (الإنترنيت)، والهواتف المحمولة. . . ألخ؛ وذلك ببيان آثارها السلبية النفسية والعقلية، على أفراد المجتمع، ناهيك عن أضرارها الاجتماعية والإقتصادية. يجب أن يكون هناك تنسيق بين الهيئات العامة والخاصة بالمجتمع، وذلك بغية إيجاد ترابط وتكامل وتوحيد الجهود المبذولة من أجل القضاء على السلوك السلبي المنحرف عن قيم وأخلاقيات المجتمع؛ ومنها على سبيل المثال: أن يخضع المصابون بالمرض للاختبار الطبي المعملي، لمعرفة المدمنين للمخدرات أو المسكرات والمؤثرات العقلية، وتتبع من يشاركونهم في تعاطي هذه المؤثرات. الكشف على مثل هذه الحالات يحدد نسبة تفشي هذه الأوبئة في المجتمع للوقوف عليها ووضع برامج وقائية وعلاجية لها على المدى القريب والمستقبلي البعيد. بذل الجهود الشعبية والأهلية بإنشاء هيئات متخصصة، بتعاون ومساهمة الأقسام المتخصصة بالجامعات ومراكز البحوث العلمية والنقابات والروابط المهنية المتخصصة لدراسة وتشخيص العلل الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع، ومن ثم اقتراح الحلول والتصورات العملية لمواجهتها، وتقديم التوصيات والمقترحات العامة لأخذ التدابير الوقائية بشأنها مستقلاً. إرشاد المصابين بفيروس العوز المناعي البشري: HIV بطرق التعامل مع غيرهم، ليبتعدوا عن السلوك المحفوف بالمخاطر، والذي يجنب الآخرين انتقال العدوى إليهم، وينبغي توجيه الناس على مختلف المستويات، إلى فهم السلوك العام الذي يجب ألا يمارسوه حتى لا يقعوا في مصيدة الإصابة بالمرض دون تعمد، ومحاولة إيقاف انتشار العدوى أو الحد منها على أقل تقدير، ببرامج الوقاية والتثقيف والإرشاد الصحي، لبيان كل ما يتصل بطرق العدوى، على مستوى الأفراد والجماعات، سواء منها الأسرية والأحياء السكانية، وجماعات النشاط أو جماعات العمل. . . الخ. يشعر المرضى بأنهم يحملون أسرهم ودويهم أعباء مادية كثيرة، بما ينفقونه عليهم من مبالغ مالية لا طاقة لهم بها، مقابل مصاريف العلاج بوجه خاص، ورعايتهم بوجه عام، وبالأخص عندما يشعر أفراد الأسرة بأن المريض ميئوس من شفائه، ويشعر المريض بأن المحيطين به يتحملون ضغوطاً نفسية سيئة، بما يتخذونه من احتياطيات وتدابير وقائية، خوفاً من انتقال العدوى إليهم، ومن الشواهد على ذلك ما قاله أحد المصابين بالمرض بعد أن طرد من العمل: (( إنك لا تعيش آلام الإيدز فقط، ولكنك تعيش منبوذاً من المجتمع. وحتى إذا متَّ فإنهم يرفضون تجهيز جك. ولا شيء يجعلك تشعر بالتعاسة أكثر من هذا )). تخصيص قسم إيوائي للمرضي، يتم فيه عزل المصابين بالمرض، يقدم لهم فيه العلاج الطبي والإرشاد والنصح، مع توفير الأدوية اللازمة للمرضى ورفع مستوى الرعاية الطبية والوقائية والإرشاد الصحي لأفراد المجتمع المحيطين بهم. إلزام من تكن له إقامة بالمجتمع من الأجانب أكثر من ثلاثة أشهر، إجراء كشف طبي على الأمراض الوبائية، في مراكز متخصصة تحت إشراف المجتمع. والمحصلة النهائية مما سبق، أنه عندما يدرك الإنسان قبح رذيلة الزنا والسلوك المشين الناتج عنها، بقلب مطمئن مغمور بالإيمان، يتيسر له السبيل لفعل النقيض منها، وهو الفعل الفاضل الحسن دون مشقة، بغض النظر عما تقتضيه الضرورة الأخلاقية أن يفعله، ودون أن يفكر فيما يترتب على الفعل من جلب المنفعة إليه أو دفع الضرر عنه، إن المؤمن بالله تعالى إذا طلب منه أمر دعت إليه أحكام الشريعة الإسلامية أو نهت عنه، امتثل إليه دون أن يسأل عن العلة أو السبب في ذلك. إن نفوسنا وأجيالنا الناشئة الفتية لأحوج ما تكون إلى التحصين بالإيمان القوي المتين الراسخ في النفوس، وإلى تعلم المزيد من الأدب والعمل بالآداب والأخلاق السامية من منهج الدين الإسلامي الحنيف. وفي الختام أقول: ها أنا ذا قد حاولت إصابة الهدف، فإن قاربت فقد استشرفت معالي الأمر بما وجهت إليه مما أردت، وإن لاح القصور مما ابتغيت، فالكمال لله وحده وعلى الله قصد السبيل، ونصلي ونسلم على سيدنا محمد بن عبد الله المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدي بهديهم إلى يوم الدين.
سليمان حندي صالح سليمان(2008)
Publisher's website